تكتب مارتا لوينزو، مديرة مكتب تمثيل الأونروا لدى أوروبا، أن غزة تجوع وتموت. يُقصف الناس ويُشرَّدون ويُصابون ويُفجعون، فيعيشون على حافة البقاء في جحيم من صنع الإنسان. يضعف العاملون الإنسانيون من الجوع ويحاولون رغم مآسيهم أن يوقفوا سيل البؤس. يحتاج السكان إلى إمدادات تنقذ حياتهم وإلى أمان، لكنهم لا يسمعون سوى صدى الوعود.

توضح صحيفة يورو أوبزرفر أن العالم يكرر الشعارات نفسها عند كل مأساة جديدة: المطالبة بحماية العاملين الإنسانيين وقد قُتل منهم أكثر من 520، بينهم 360 من زملاء الأونروا. المطالبة بوقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية، ورفع الحصار، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين. المطالبة بحماية المدنيين والبنية التحتية بعدما دُمّرت المدارس والمستشفيات. الدعوة لدخول الأمم المتحدة والإعلام. الاستجداء لإدخال الغذاء. لكن الكلمات لا تُشبع الأطفال الجوعى، والفعل وحده يُعد واجبًا أخلاقيًا، والقانون الدولي يجب أن يُحترم.

تكشف الكاتبة أن ما يحدث كان متوقعًا ويمكن تجنبه. انحدرت غزة إلى المجاعة لأن القوافل القليلة التي عبرت لا تمثل شيئًا أمام الاحتياجات الهائلة. بينما تنتظر آلاف الأطنان من المساعدات في الأردن ومصر منذ مارس 2025، تشمل أغذية وأدوية وخيامًا وأغطية. ومع ذلك يُمنع دخولها. وحتى الوكالات القليلة التي يسمح لها بإدخال بعض الشحنات تواجه منظومة معقدة من الموافقات الإسرائيلية، حيث يُصرّح لشيء اليوم ويُمنع غدًا، ويُوافق عليه من جهة ويُرفض من أخرى.

عندما تنجح بعض الشاحنات في العبور، تستقبلها الفوضى والنهب واليأس. ينهار "صندوق غزة الإنساني" كفشل ذريع يثبت كيف لا ينبغي أن تُدار المساعدات، إذ يموت الناس وهم يحاولون الحصول على الغذاء. أما الإسقاط الجوي فلا يعدو أن يكون حلًا مكلفًا وخطيرًا وعشوائيًا، يعزز الحصار أكثر مما يخفف المعاناة.

تشدد لورينزو على أن المساعدات لا تعني طرودًا غذائية فقط، بل منظومة متكاملة: مياه نظيفة، أطباء، ممرضون، دعم نفسي، مأوى، مهندسون لإصلاح الشبكات، عمّال يجمعون النفايات ويوزعون اللوازم. فلا بد أن تصل المساعدات بشكل مبدئي ومنظم إلى كل مكان. في المقابل، يخضع الناس في غزة لقانون القوة، فيما ينهك الضعفاء والعجزة والمعاقون في صراع مذل. ورغم التضييق المتواصل، يواصل المجتمع الإنساني جهوده داخل غزة بأقصى ما يستطيع.

توضح الكاتبة أن الأونروا تشكّل العمود الفقري للعمل الإغاثي، إذ استفاد كل فلسطيني في غزة تقريبًا من مساعداتها منذ بدء الحرب. ومع ذلك تتصاعد الدعوات الإسرائيلية والأمريكية لإغلاقها. كما يُصيب الشلل العمود الفقري، فإن إضعاف الأونروا يشل النظام الإنساني ويُفاقم المجاعة.

تختم لورينزو بأن ما يُسمح بحدوثه في غزة يفوق الوصف، ولا يمكن حله عبر الشاحنات أو العاملين الإنسانيين وحدهم، بل يحتاج إلى إرادة سياسية وشجاعة أخلاقية ومحاسبة حقيقية لتغيير المسار. وتشدد على أن على أوروبا وحلفائها التمسك بالقيم العالمية، ومنها حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، لا بوصفها خيارًا بل التزامًا. فقد انتهى زمن البيانات، وحان وقت الفعل العاجل.

 

https://euobserver.com/opinion/ar401b23bd